لقد وعد الله عباده في كتابه العزيز بالجنة إذا إجتنبوا كبائر الذنوب ، وذلك في قوله تعالى : " إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا " ( النساء 31 ) .
والكبيرة في القرآن هي كل ما يستحق عليه العبد ، عذاباً في القرآن ، سواء كان هذا العذاب في الدنيا أو كان في الآخرة ، فلا عذاب عند الله إلا بنص قرآني من عند الله ، فيقول الله تعالى مخاطباً نبيه : " لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ "(128) .
وعن الكبائر التي يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا يدور هذا المقال ، وسنركز على العذاب الواقع في الدنيا لأهميته لإصلاح حياتنا .
أول الكبائر التي يستحق عليها العبد ، عذاباً في الدنيا في هذا المقال ، هي أكل أموال اليتامى ظلماً ، في قوله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا " ( النساء 10 ) . والعذاب في الدنيا هنا ، هو أن يأكل آكل أموال اليتامى ظلماً ، في بطنه ناراً ، وعذابه في الآخرة هو أن يصلى السعير .
الكبيرة الثانية التي يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا ، هي أكل أموال الناس بالباطل ، في قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا " ( النساء 29- 30) . وهنا ، والله أعلم ، العذاب في الدنيا ، هو قتل النفس أي الإنتحار ، وسيصلى النار في الآخرة .
الكبيرة الثالثة التي يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا ، هي السرقة ، في قوله تعالى في الآيات من سورة المائدة : " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (المائدة 38 - 40) ، وهنا عقوبة السرقة في القرآن ، والله أعلم ، هي أن يهبط عليه عذاب من الله في الدنيا ، حتي تقطع يده بإرادته ، وذلك ما لم يشأ الله أن يغفر له ذنبه .
الكبيرة الرابعة التى يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا ، هي القتل العمد ، في قوله تعالى : " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " ( النساء 93 ) . وجزاء القتل العمد عند الله في الدنيا ، هو هبوط غضب الله ولعنته على العبد وعذاب عظيم أعده له ، وفي الآخرة فجزاؤه جهنم خالداً فيها .
الكبيرة الخامسة التى يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا ، هي الربا ، في قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ " (البقرة 278 - 279) ، وهنا عقوبة الربا هى حرب من الله ورسوله في الدنيا .
الكبيرة السادسة التي يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا ، هي النفاق ، لقوله تعالى : " بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا " ( النساء 138 - 139) . ولقوله تعالى : " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا " (النساء 145 - 146) . والعقوبة هنا هي عذاب أليم في الدنيا ، وفي الآخرة في الدرك الأسفل من النار .
الكبيرة السابعة التي يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا ، هي ذكر إسم النبي محمد في سياق لا يثبت نبوته ، كأن تناديه بإسمه ، وذلك في قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ " ( الحجرات 2 ) . والعقوبة هنا هي إحباط الأعمال في الدنيا .
الكبيرة الثامنة التي يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا ،هي كتمان البينات والهدى في كتاب الله ، في قوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " (البقرة 159 - 160) . والعقوبة هنا هي اللعن .
الكبيرة التاسعة التي يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا ، هي قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ، في قوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ( النور 23 - 25) . والعقوبة هنا هي اللعن في الدنيا والآخرة .
الكبيرة العاشرة التي يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا ، هي السعى في خراب دور العبادة التي يذكر فيها اسم الله ، في قوله تعالى " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " (البقرة 114) ، والعقوبة في الدنيا هنا ألا يدخلوها إلا خائفين ولهم في الدنيا الخزي وفي الآخرة العذاب العظيم في جهنم .
الكبيرة الحادية عشر التي يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا ، هي كتمان آيات الله في الكتاب ، في قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ " ( البقرة 174 - 175 ) ، والعقوبة في الدنيا هنا ألا يأكل في بطنه إلا النار ويوم القيامة لا يكلمه الله ولا يزكيه ولهم عذاب أليم في النار .
الكبيرة الثانية عشر التي يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا ، هي الحرابة ، في قوله تعالى " إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " (المائدة 33 - 34) ، وهنا العقوبات في الدنيا نوعان ، عقوبات بشرية تتمثل في القتل أو الصلب أو قطع الأيدى والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض ، وعقوبات ربانية تتمثل في الخزي في الدنيا وفي الآخرة العذاب العظيم في جهنم .
الكبيرة الثالثة عشر التي يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا ، هي إتهام الزوجة بالزنا كذباً ، في قوله تعالى : " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ " ( النور 6 - 7) . والعقوبة هنا هي لعنة الله عليه
الكبيرة الرابعة عشر التي يستحق عليها العبد عذاباً في الدنيا ، شهادة الزوجة كذباً أنها لم تزني أمام المحكمة ، في قوله تعالى : " وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ " (النور 8 - 9 ) . والعقوبة هنا هي غضب الله عليها .